- 2 -
الإمام ناصر محمد اليماني
19 - 12 - 1430 هـ
06 - 12 - 2009 مـ
02:45 صباحاً
ــــــــــــــــــــ
أكبر ملائكةٍ في الكتاب هم الثمانية؛ حملة عرشه سبحانه وتعالى..
أخي الكريم ، سلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته السلام علينا وعلى جميع عباد الله المسلمين في ملكوت الله من الأولين والآخرين، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
وبارك الله فيك وبصرّك بالحقّ، فلم تكن من الإمّعات من الذين يعتمدون على عقول النّاس ولا يستخدمون عقولهم، ألم يجعل الله الإنسان سميعاً بصيراً فلماذا لا يستخدم عقله ليُميّز بين دعوة الحقّ ودعوة الباطل؟ وقال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٢﴾ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [الانسان]. فإن احتجّ على ربّه أنهُ اتّبع أحد الدُعاة من العلماء ظنّاً منه أن دعوته على بصيرةٍ من ربّه فأضلّه عن الصراط المستقيم، ثم يحاجّه ربّه بعقله لمن اتبع لعُلماء الضلالة بغير علمٍ من ربّه ولماذا لم يستخدم عقله فيتدبر سُلطان علم الداعية من أين جاء به وهل يقبله العقل والمنطق أم إنّه من العلماء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون. فهذه يتوصل إليها طالب العلم الباحث عن الحقّ بالتدبر والتفكر في سُلطان علم الداعية، فعليه أن يلجأ إلى عقله وإن اتّبع الاتّباع الأعمى فأضلّه الذين يقولون على الله ما لا يعلمون عن سواء السبيل فلسوف يسأله الله عن عقله إن لم يأخذه منه، فلماذا يتبع الاتّباع الأعمى دون أن يستخدم عقله؟ تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} صدق الله العظيم [الإسراء:٣٦]، وأما البيان لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي علم من ربّك سلطان علم الداعية أم إنّه يقول على الله ما لم يعلم، فهذا شيءٌ سوف يدركه الباحث عن الحقّ بالعقل وبالتفكر في سلطان علم العالم.
وبالنسبة للمخلوقات فأصغر شيء أجده في الكتاب هي الذرّة وما حوت. تصديقاً لقول الله تعالى: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ]، وتصديقاً لقول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} صدق الله العظيم [سبأ:٢٢]، بمعنى أنهم لم يخلقوا مثقال ذرةٍ في السموات ولا في الأرض، وتصديقاً لقول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾} صدق الله العظيم [الزلزلة]. فتلك الذرّة وما حوت هي أصغر شيءٍ خلقه الله في السموات والأرض وهي تُسبِّح بحمد الله وتُقدِّس له. تصديقاً لقول الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِنّ مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الإسراء]. وكل شيءٍ يسبح بحمد ربّه من الذرّة وما حوت أصغر شيء إلى أكبر شيء في خلقه وهي الشجرة وتلك سدرة المُنتهى حجاب الربّ وعرشه أكبر من ملكوت السموات والأرض؛ بل سدرة المُنتهى هي أكبر من الجنّة التي عرضها كعرض السموات والأرض. ولذلك قال الله تعالى: {سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ﴿١٤﴾ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [النجم]. وذلك حجاب الربّ وعرشه فهي منتهى خلقه إلى ذاته، وهي الفاصل بين العباد والمعبود فما دونها الخلائق وما عليها الرحمن على العرش استوى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} صدق الله العظيم [سبأ:٢].
ونادى الله نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام من الشجرة وهو في البقعة المُباركة فأسمعه صوته وقرَّبه نَجِيّاً، وقال الله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ ربّ العالمين} صدق الله العظيم [القصص:٣٠].
فأمّا موقع نبيّ الله فهو في الأرض في البقعة المُباركة من شاطئ الوادي الأيمن بالوادي المقدس طُوى، وأما مصدر نداء الربّ فهو: {مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ ربّ العالمين} صدق الله العظيم؛ وتلك الشجرة هي سدرة المنتهى، وإنما قرّب الله نبيّه موسى نَجِيّاً بالصوت فأسمعه صوته بقدرته ولم تسمع نداء الله زوجتُه وهي على مقربةٍ من المكان، و كلّمه الله تكليماً وقربه نَجِيّاً.
وأمّا محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقد بعث الله إليه بالدعوة عن طريق رسول الله جبريل عليه الصلاة والسلام ليحضره إلى ربّه فيكلِّمه تكليماً من وراء السّدرة ليلة المعراج إلى ربِّه، فمرّ به في الملكوت الكونيّ ليريه النّار التي وعد بها الكُفار ويريه الجنّة التي وعد بها الأبرار. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِنَّا عَلَىٰ أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} صدق الله العظيم [المؤمنون:٩٥]. ولم يرَ الله سُبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً بل رأى من آيات ربّه الكُبرى في الكتاب، ومن آياته الكبرى ما يغشى سدرة المُنتهى من نورِ وجهه سبحانه وتعالى علواً كبيراً، ومن آياته الكُبرى السّدرة التي هي أكبر شيء خلقه الله في الكتاب التي عندها الجنّة، فبرغم أنّ الجنّة عرضها السموات والأرض ولكنّها عند سدرة المُنتهى، ثم أكبر ملائكةٍ في الكتاب وهم الثمانية حملة عرشه سُبحانه وتعالى علواً كبيراً.
وأما خزنة جهنّم فهم تسعة عشر ملكاً فقط، وهم من النوع الأكبر فكُلما أراد الكُفار أن يخرجوا من نار جهنّم أُعيدوا فيها بواسطة أجنحة الملائكة الكُبرى، فضربة جناح الملك تُرجع أُمماً لا يحصيها إلا الله فيعيدهم بضربة جناحه بشدةٍ مؤلمةٍ إلى نار جهنّم فيقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق. تصديقاً لقول الله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} صدق الله العظيم [الحج:٢٢].
وملائكة النّار في الحجم من النوع الأكبر ذوي أربعة الأجنحة غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبضربة أحد أجنحته يصدّ أمماً لا يحصيها إلا الله فيعيدهم بضربةٍ جناحه إلى نار جهنّم وقائدهم ملك يُدعى (مالك). تصديقاً لقول الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا ربّك قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴿٧٧﴾ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بالحقّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].
وأصغر حجم في الملائكة هم الملكان الموكلان بالإنسان بحفظ عمله خيره وشره فهم مُكلفان معه حتى يأتي قدر موته ثم يتوفونه وهما رقيب وعتيد، وكُلّ إنسان معه ملائكة الموت وهم رقيب وعتيد كما سبق تفصيل مهامهم الموكلة إليهم في بيان قبل هذا، وهم من أصغر أنواع الملائكة المُكرّمين ولا يفرطون في الكافر حتى يُلقياه في العذاب الشديد في نار جهنّم ثم تنتهي مهمتهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جهنّم كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [ق].
ويأخذ أحدهم بناصيته وهو عتيد وأمّا رقيب فيأخذه بقدميه فيلقياه فيقذفون به في نار جهنّم، وذلك لأنهم يسوقونه إلى الباب فيأبى أن يدخل نار جهنّم ومن ثم يأخذوه بناصيته وقدميه فيقذفون به في نار جهنم. تصديقاً لقول الله تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} صدق الله العظيم [الرحمن:٤١]. فيلقون به في نار جهنم. تصديقاً لقول الله تعالى: {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} صدق الله العظيم، ثم تنتهي مهمة رقيبٍ وعتيدٍ وهم أنفسهم ملائكة الموت الحفظة لعمل الإنسان حتى يأتي قدره فيتوفونه وهم لا يفرّطون به حتى يلقوا به في نار جهنّم فيُخلوا مسؤوليتهم إذا كان من أصحاب الجحيم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:٦١].
وهم من أصغر أحجام الملائكة، وأعظم الأحجام هم الثمانية حملة عرش الرحمن، ويليهم في الحجم تسعة عشر ملك وهم خزنة جهنّم الغلاظ الشداد.
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخو المؤمنين؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ــــــــــــــــ