مَن ادَّعى أنه المَهديّ المُنتظَر بغير علمٍ مِن الله فهو كذَّابٌ أشِر ..
- 1 -
الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
24 - ذو القعدة - 1430 هـ
12 - 11 - 2009 مـ
02:06 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأم القُرى)
_________
{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة النساء:٨٣]
رَدُّ المَهديّ المُنتظَر على سُؤال علي أبو الجراح ..
بِسْم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسَّلام على خاتم الأنبياء والمُرسَلين وآلِه التوَّابين المتطهِّرين، السَّلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين، وسلامٌ على المُرسَلين والحَمدُ لله ربّ العالمين..
أخي الكريم (علي أبو الجراح)، إنَّ مَن ادَّعى أنه المهديّ المنتظَر بغير عِلمٍ مِن الله فهو كذَّابٌ أشِرٌ وليس المهديّ المنتظَر، وبِما أنه ادَّعى شخصيّة المهديّ المنتظَر كثيرون؛ ألا والله لا يُحصَي الذين يَظُنّ كلّ واحدٍ منهم أنه المهديّ المنتظَر إلَّا الله، غير أنَّ بعضهم لا يُفصِح لأنه ينتظر مِن الناس أن يقولوا له إنك أنت المهديّ المنتظَر، وبعضٌ منهم يعلم أنه يعتقد في نفسه أنه المهديّ المنتظَر ولكنه اتَّقى الله وتورَّع ولم يَنطِق بذلك؛ بمعنى أنَّه سرّه في صدره ولم يتجاوزه، وهذا ليس فيه مَسّ شيطانٍ لأنه لم يدَّعِ شخصيّة المهديّ برغم أنه يتوقع أن يكون هو المهديّ المنتظَر، فنظرًا لتقواه يجعله الله من الأنصار السَّابقين الأخيار للمهديّ المنتظَر نظرًا لتقواهم من عدم افتراء شخصيّة المهديّ المنتظَر، وأمَّا الذين ادَّعوا شخصيّة المهديّ المنتظَر فحتمًا تجدون فيهم مُسوسًا شيطانيّةً وهي التي تَؤزُّهم على ذلك، والحِكمة الشيطانيّة من ذلك هي حتى إذا بعث الله المهديّ المنتظَر الحقّ من ربّكم يُعرِض الناس عنه فيقولون: "وهل مثله إلا كمثل الذين خلوا من قبله أو المدَّعين في عصره مِن الذين يدَّعون شخصيّة المهديّ المنتظَر؟"، ثمّ يقولون: "فقد سئمنا هذه الدعوى فبَيْن الحِين والآخر يظهر لنا مهديٌّ منتظَرٌ جديدٌ".
ويا أخي الكريم، أنصحك وجميع المُسلمين أن لا تحكُم من قبل أن تسمع قول ومَنطِق الدَّاعية ثمّ يتم اللجوء إلى العقل والمنطق بالتفكّر في منطق وسلطان عِلم دعوته، ومن بعد التفكّر والتدبّر تحكم عليه تصديقًا لقول الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿١٧﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [سورة الزمر].
فإمَّا أن تجده ضالًّا مُضِلًّا فتُنقِذ المُسلمين من أن يُضلهم هذا المُدّعي فتقنعهم وتقنعه أنه من الغاوين، وإمَّا أن تجد الدَّاعية مُتسَلِّحًا بالعِلم والسلطان من محكم القرآن فتجد أنه ذو عِلمٍ لِما عَلَّمه الله فتعلَم أنَّهُ لَمِن المُتَّقين من الذين لا يقولون على الله ما لا يعلمون، ونظرًا لتقواه أنه لا يقول على الله ما لا يعلم اصطفاه الله وعلَّمه وجعله للناس إمامًا كريمًا تصديقًا لقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} صدق الله العظيم [سورة البقرة:282].
ومن ثمَّ تستمعون إلى سلطان علمه من الكتاب فتُحَكِّمون عقولكم؛ فهل تجدونه يدعو إلى الحقّ ويهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ؟ فقد جعل الله لكم عقولًا تتفكّر فتحكُم من بعد الاستماع والتفكّر والتدبّر، فانظر أخي الكريم إلى فتوى الله تعالى: {أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} صدق الله العظيم [الزمر:18]، أي أولئك الذين هداهم الله في كلّ زمانٍ ومكانٍ وهم أصحاب التفكّر والتدبّر بالعقل تصديقًا لقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} صدق الله العظيم [سورة سبأ:46].
أي يتفكَّرون في سُلطان علمه من ربّه؛ هل يوافق العقل والمنطق أم يخالف العقل الذي ميّز الله به الإنسان عن الحيوان وهو التفكّر والتدبّر؟ ولكني أقسمُ بربّي وربّك أنَّك لن تهتدي إلى الحقّ أبدًا إذا كنت إمَّعةً تتبع أسلافك الاتّباع الأعمى من غير أن تستخدم عقلك؛ فهل ما وجدت عليه آباءك يقبله العقل والمنطق أم ترى فيه أشياء لا يقبلها عقلك؟ فإذا وجدت أشياء لا يقبلها عقلك فسوف يحدث عندك التألُّم والسَّقَم النفسيّ إذا كنت حقًّا تُريد الحقّ ولا غير الحقّ؛ فحتمًا سوف يحدث عندك السَّقَم النفسيّ فتقول كما قال خليل الله إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام: {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم [سورة الأنعام:77].
وذلك لأنَّه فكَّر في عبادة الأصنام فلم يقتنع عقله بعبادة الأصنام ويرى أنَّ أباه وقومه وآباءهم على ضلالٍ مبينٍ، ومن ثمّ بدأ بالتفكّر والبحث عن الحقّ فأراد أن يختار إلهًا أسمَى مِن الأصنام فاختار كوكبًا وقال هذا ربّي، ثُمّ أفَل، ولم يقتنع بعبادته. ومن ثمّ اختار القمر وقال هذا ربّي، وأفَل، ولم يقتنع عقله بعبادته. ثمّ صار عنده الحزن والسَّقم النفسيّ (يريد الحقّ ولا غير الحقّ) لذلك قال: {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم.
ولكن الله وَعَدَ - ومَن أوفى بوعده من الله؟ - أنَّه إذا عَلِم أنّ عبده يبحث عن الحقّ ولا يريد غير الحقّ ويريد أن يَتَّبِع الحقّ؛ فبما أنَّ الله هو الحَقّ فكان حقًّا على الله أن يهديه إلى الحقّ تصديقًا لوعده الحقّ في قوله الحقّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [سورة العنكبوت].
أيْ: الذين يبحثون عن الحقّ كان حقًّا علينا أن نهديهم إلى الحقّ، فانظُر لبحث خليل الله إبراهيم كان باحثًا عن الحقّ حتى هداه إلى الحقّ فاجتباه وبعثه رسولًا كريمًا، وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٧٤﴾ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٨٠﴾ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨١﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
إذًا الذي قاد إبراهيم إلى معرفة الحقّ هو العقل والمنطق الفكريّ، وما يرجوه منك المهديّ المنتظَر الحقّ من ربّكم ومن جميع الباحثين عن الحقّ هو أن يُستَخدَم العقل، ولن أستطيع أن أهديكم للحقّ إذا لم تستخدموا عقولكم. وأفتيكم بالحقّ أن سبب دخول الأمم النّار هو الاتّباع الأعمى وعدم استخدام العقل، وقال الله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} صدق الله العظيم [سورة الملك:8].
فانظر إلى ردّ أصحاب النّار تجد فتواهم بالحقّ أنّ سبب دخولهم النَّار هو الاتِّباع الأعمى لأسلافهم من قبلهم دون أن يتفكّروا بالعقل والمنطق؛ هل كان أسلافهم على الهُدى أم كانوا على ضلالٍ مُبيْن؟ ولكنهم لم يسمحوا لعقولهم بالتفكّر للفتوى مِن العَقْل أبدًا لأنهم يرون أسلافهم عُظماءَ فلا بُدّ أن تكون لهم حكمةٌ بالغةٌ من عبادة الأصنام، ولذلك لم يستخدموا عقولهم لأنهم لو استخدموا عقولهم فحتمًا سوف تفتيهم فتقول: "وكيف تعبدون أصنامًا صنعتموها بأيديكم؟ فإنها لا تَضُرّ ولا تنفع ويرفضها عقل أيِّ إنسانٍ بَشريٍّ!". ولكن الاتّباع الأعمى ورفض اتِّباع العقل كان هو الكارثة على كثيرٍ مِن الأُمَم ولذلك كان ردّهم على السائلين من خزنة جهنم: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿٨﴾ قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴿٩﴾ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [سورة الملك].
فلماذا أخي الكريم حَكَمُوا على أنفسهم أنهم كالأنعام التي لا تتفكَّر {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠﴾}؟ وذلك لأنهم اتّبعوا أسلافهم الاتّباع الأعمى؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿١٧٠﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وعليه فإني المهديّ المنتظَر أقول لكم يا معشَر المُسلِمين والنَّاس أجمعين {اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ}، ولكن للأسف لم أجد الجواب مِن كثيرٍ مِمَّن أظهرهم الله على أمرنا إلَّا أن قالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}، ثمّ نقول لكم: حتى ولو كان ما وجدتم عليه آباءكم يخالف مِحُكَم كتاب الله؟ أفلا تعقلِون؟!
وعلى سبيل المثال: إني أراكم تجعلون التَّقبيل في بيت الله حصريًّا على حَجَرٍ واحدٍ وهو ما تسمّونه بالحجر الأسود فتزدحمون عليه حتى يقتل بعضكم بعضًا بالدَّهس والرَّفس لكي يقَبِّل الحَجَر الأسود، ولو تفكّرتم لعلمتم أنّ ذلك بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطان، فإن كنتم تحبون الله فَقَبِّلوا بيته المُعَظَّم دونما تفضيلٍ لحجرٍ فيه على بيته المُعَظَّم؛ بل هو بيت الله يجزئ التقبيل في أي مكانٍ فيه وعلى أيّ حجرٍ فيه، فإن فضَّلتم حَجَرًا على آخَرٍ فقد أصبح الحَجَر لديكم أحَبّ وأفضل من بيت الله المُعَظَّم لأن التَّقديس للبيت وليس للحَجَر.
ولربّما يودّ أن يُقاطِعني أحد فطاحلة عُلماء الأمَّة الإمَّعات فيقول: "إنَّما تقبيل الحَجَر تعظيمٌ لبيت الله". فأقول له: إنك عظَّمت الحَجَر ولم تُعَظِّم بيت الله، فإذا كنت صادقًا أنك تعظِّم بيت الله المُعَظَّم فقَبِّله في أيّ مكانٍ دونما تفضيل حجرٍ فيه، فقد غويت عن الحقّ! فكم أهلكتم من بشرٍ من زوّار بيت الله المُعَظَّم بسبب فِرية التفضيل لِحَجَرٍ واحدٍ في بيت الله المعظم؛ أفلا تعقِلون؟! ولكني المهديّ المنتظَر أقول لكم: لا يجوز أن تُفَضِّلوا حَجَرًا في بيت الله على بيت الله؛ بل هو بيت الله، فجئتم لزيارة بيت الله، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} صدق الله العظيم [سورة آل عمران:97].
فلماذا تفضِّلون حَجَرًا في بيت الله على بيته المُعَظَّم جميعًا؟ أفلا تتَّقون؟! حتى ولو شاهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ محمدًا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قَبَّل الحَجَر فإنَّما يريد أن يفتيكم أن تُقَبِّلوا بيت الله، ولكنكم انطلقتم نحو الحَجَر الذي قَبَّل فيه، فصرتم تدهسون بعضكم بعضًا فتقتلون بعضكم بعضًا لتقبيل ما تسمونه بالحَجَر الأسود!
ولَكِن المهديّ المنتظَر يَكفُر بفتوى تقبيل الحَجَر الأسود حصريًا؛ بل الحجر الأسود مثله كمثل أيِّ حَجَرٍ من أحجار بيت الله المعظم، وإنكم إذا قبَّلتم بيت الله فإنكم تُقَبِّلونه لأنه بيت الله المُعَظَّم، وأمَرَكم الله في مُحكَم كتابه بزيارة بيت الله المُعَظَّم لترجوا من رَبِّكم أن يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم، أفلا تتَّقون؟
فبالله عليكم لو أنَّ مُحمدًا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قَبَّل بيت الله في أيِّ مكانٍ آخرَ مِن الكعبة ألسْتم سوف تَنْقَضُّون على الحَجَر الذي قبَّله في بيت الله؟ لأنكم أصلًا لا تعقلون، إنَّما هي فتوى من الله ورسوله أن تُقَبِّلوا بيته محَبةً في الله، ولكنكم حصرتم التَّقبيل في الحَجَر الأسود فأصبحتم لا تُقَبِّلون بيت الله ما دُمتم حصرتم التَّقبيل على حَجَرٍ فيه؛ أفلا تعَقِلون؟ فهل زُرتم بيت الله كما أمركم الله في مُحكَم كتابه: {وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}؟ أم زُرتم الحَجَر الأسود؟! أفلا تتَّقون؟
وعلى كُلّ حالٍ يا أخي الكريم، إني والله لن آمرك ولا جميع الأنصار بالاتِّباع الأعمى ولكني أُصارحك بالحقيقة أنّ قلبي غير مُطمئنٍّ إليك غير أنه يُعتَبَر ظنًّا والظنّ لا يُغني من الحقّ شيئًا، وسوف أستمرّ في حوارك حتى يتبيَّن لي أمرك.
وبالنسبة لدعوة المهديّ المُنتظَر فعليك أن تعلم عِلْم اليقين أنكم لا تنتظرون رسولًا بكتابٍ جديدٍ؛ بل تنتظرون لخليفةٍ وإمامٍ يؤتيه الله عِلْم الكتاب حتى يستنبط لكم الحُكْم الحقّ من كتاب الله فيما كنتم فيه تختلفون، فإنْ استطاع فقد عَلمتم أنه مِن أُولي الأمر منكم مِن الذين أمركم الله بطاعتهم من بعد الله ورسوله، تصديقًا لقول الله تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴿٨٠﴾ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٣﴾} صدق الله العظيم [سورة النساء].
فانظر لقول الله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} صدق الله العظيم، أي لعَلِم بالحُكْم الحَقّ للفَصْل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فيستنبطه لهم مِن كتاب الله وليس في مسألةٍ واحدةٍ؛ بل في جميع ما كانوا فيه يختلفون؛ فإن تبيَّن لكم ذلك فقد عَلمتم أنّي مِن أُولي الأمر من آل بيت رسوله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - مِن الذين أمركم الله بطاعتهم إنْ بعث الله أحدهم ليخرجكم من الظلمات إلى النور، فقد أمركم الله بطاعتهم كما أمركم بطاعة رسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، تصديقًا لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [سورة النساء].
فإن استطاع ناصِر محمد اليمانيّ أن يهيمن عليكم بسلطان العِلْم من مُحكَم القرآن العظيم فيستنبط لكم حُكم الله من الكتاب للفصْل بينكم - فَلِكُلِّ دعوى بُرهانٌ - فقد عَلمتم أنه مِن أُولي الأمر مِن الذين أمركم الله بطاعتهم تصديقًا لفتوى الله لَكُم كيف تعلمون أُولي الأمر منكم فتجدون الفتوى في قول الله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، ومن ثمّ لا تجدون في صدوركم حرَجًا من الاعتراف بالحقّ وتُسَلِّمون تَسليمًا، وإن لم أفعل فلَم يأمركم الله بطاعتي حتى ولو كنت مِن آل البيت؛ فلَم يأمركم الله بطاعتي ما لم يصطفِني كما اصطفى أئمة آل البيت مِن قبلي، ولكن للأسف إنّ الذين لا يعلمون قد شَوَّهوا ببيت النّبوُّة ويقاتلون النَّاس على الحُكْم ويقولون إنَّ الحكم لآل البيت في كلّ زمانٍ ومكانٍ! ولكني المهديّ المنتظَر أقول وإنكم لكاذبون يا معشَر المفترين، ولم يأمر الله المُسلِمين بطاعة آل البيت؛ بل أُولي الأمر منهم إنْ اصطفاهم الله فبعث أحدًا منهم فجعله للناس إمامًا كريمًا ليهديهم إلى الصراط المُستَقيم فسوف يعلمون هل هو مِن أولى الأمر من آل البيت من خلال فتوى الله إلى عُلماء المُسلِمين المُختَلِفين {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} صدق الله العظيم. فإذا لم يستطِع أن يستنبط لَكُم حُكْم الله بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فيأتيكم بِحُكْم الله من القرآن العظيم؛ فإذا لم يفعل فهو ليس المهديّ المنتظَر الحقّ من ربّكم، فاحذروا، ولن تستطيعوا أن تُكذِّبوا بشأن المهديّ المنتظَر الحقّ من ربّكم. ألا والله الذي لا إله غيره لأجعلنَّكم بين خيارين اثنين بإذن الله، إمَّا أن تَتَّبِعوا ما أنزل الله في مُحكَم كتابه وإمَّا أن تكفروا فَيَحكُم الله بيني وبينكم بالحقّ وهو خير الحاكمين، وذلك لأنكم لن تستطيعوا أن تُهَيمنوا على المهديّ المنتظر؛ لئن أَجبتم دعوة الاحتكام إلى كتاب الله لَنأتينَّكم بِحُكْم الله بينكم فيما كنتم فيه تحتلفون، فلسنا مَن نحكم بينكم، سبحان الله العظيم فلا يُشرِك في حُكمه أحدًا؛ بل نستنبط لكم حُكْم الله الحقّ مِن مُحكم كتابه ولن نبتغي غير الله حَكَمًا تصديقًا لقول الله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} صدق الله العظيم [سورة الأنعام:114].
وسلامٌ على المُرسَلين، والحَمدُ لله ربّ العالَمين..
أخو الباحثين عن الحقّ الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ.
___________